المؤمن القوي بيّن النّبي عليه الصّلاة والسّلام في الحديث الشّريف أنّ المؤمن القويّ هو خيرٌ وأحبّ إلى الله تعالى من المؤمن الضّعيف، ولا شكّ بأنّ هذه الخيريّة والأفضليّة بسبب ما يحصل من الّنفع والآثار الطّيبة والثّمار المحمودة من المؤمن صاحب القوّة والعزيمة، وليس الأمر تفضيلاً للرّجل صاحب البنية القويّة والعضلات المفتولة فحسب، وإنّما يقصد بهذا الأمر حقيقةً قوّة الإيمان والعزيمة الصّادقة التي لا تكلّ، ويدخل من ضمن هذا المعنى بلا شكّ القوّة بكلّ مظاهرها من قوّة بدنيّة أو ماليّة أو غير ذلك.
صفات المؤمن القوي
إنّ للمؤمن القوي صفاتٍ وعلاماتٍ تدلّ على قوّته ومن هذه الصّفات نذكر:
- الاجتهاد في العبادات وتحصيل الحسنات، فالمؤمن القويّ هو المؤمن الذي تراه ينصب قدميه لأداء العبادات على وجهها، وتراه يحرص على قيام اللّيل والتهجّد لعلمه بفضل ذلك وأجره، فجهده البدنيّ وقوّته مسخّرة لمرضاة الله تعالى بعيداً عن الانشغال بأمور الدّنيا ومتاعها الزّائل وشهواتها الفانية، وقد ضرب الأنبياء والصّالحون المثل في العزيمة في العبادة فقد كان الصّحابة يحرصون على قيام اللّيل متأسّين في ذلك بالنّبي عليه الصّلاة والسّلام الذي تفطّرت قدماه وهو قائمٌ يجتهد بالصّلوات حتّى يكتب عند الله عبداً شكوراً.
- الحميّة في الدّفاع عن الدّين ضدّ من يتعرّض له، فالمؤمن القويّ هو صاحب حميّة يغضب لدينه إذا ما رأى حرمات الله يعتدى عليها وتنتهك، وهو مؤمنٌ يسارع في الانتصار لدينه في جميع المحافل قولاً وعملاً لتوضيح سماحة هذا الدّين وعظمة هذه الرّسالة بكلّ قوّةٍ وجرأة.
- الإقدام في المعارك، فالمؤمن القويّ هو رجلٌ لا يتردّد إذا نادى داعي الجهاد، وإنّما يترك كلّ ملاهي الدّنيا ومتاعها ملبيًّا النّداء بروحٍ لا تعرف الانهزام ولا الانكسار، وبنفسٍ عالية الهمّة تسعى دوماً للدّفاع عن حمى الإسلام والمسلمين ورفع راية الدّين، وقد ضرب الصّحابة المثل والنّماذج الرّائعة في ذلك حتّى أنّ أحدهم ويدعى حنظلة رضي الله عنه ترك زوجته في صبيحة اليوم الذي بنى فيها حتّى يلبّي نداء الجهاد.
- قوّة البصيرة واتّقاذ الذّهن و الكياسة والفطنة، فالمؤمن القوي بصيرته نافذة يدرك معادن الرّجال ولا ينخدع بأحوالهم الزّائفة، كما أنّه حاضر البديهة متّقد الذّهن لا يغيب عنه عقله وإدراكه في المواقف التي تستدعي ذلك، وهو كيسٌ فطن لا يخدعه المخادعون، ولا يجد المتملّقون المشتدّقون إليه سبيلاً، وكذلك كان الصّحابة رضوان الله عليهم وعلى رأسهم الفاروق رضي الله عنه القائل: لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني، كنايةً عن يقظته ووعيه وحضور ذهنه وإدراكه في تعامله النّاس بجميع أصنافهم.